تتميز مدينة ندرومة كغيرها من المدن الجزائرية بمجموعة من الخصائص كمدينة عريقة عراقة آثارها، فهي مدينة العلم والفن. وعلى الرغم من اختلاف عاداتها نوعا ما، فهي تجتمع في العادات التي تميّز أغلب الأسر الجزائرية كإعداد طبق الشربة أو الحريرة كما يطلق عليه لدى العائلات الندرومية، ويحضّر غالبا بالخضر أو الفريك الذي يتم جلبه مبكرا من طرف ربات البيوت من أجل تجفيفه وتمليحه بغرض استعماله خلال الشهر الكريم، إلى جانب طبق البوراك الرئيسي في رمضان أو الديول كما يحلو للندروميين تسميته، فلا يكاد يخلو أي بيت جزائري منه، ومثله العائلات الندرومية، وعادة ما يتم تحضيره باللحم المفروم والمعدنوس والبطاطا والبصل، لتفقس عليه بيضة ثم يتم قليه وتقديمه ساخنا في وجبة الإفطار.
كما تشيع في ندرومة تجارة الحلويات الشرقية والشامية وفي مقدمتها “حلوى الترك” و”النوقا” وغيرها من المُقبلات، تلك الحلويات التي تتسع مساحة عرضها على مستوى محلات وطاولات البيع في رمضان، كما تعرف إقبالا متزايدا من طرف لمدارمة لتجتمع عليها العائلات في السهرة وهي تتربع على المائدة وسط الشاي ومختلف العصائر، لاسيما أنّ رمضان في هذه السنة اقترن بالحر الشديد. وفي هذا الصدد تحدّثنا إلى إحدى العجائز ذات الأصول الندرومية المحضة أباً عن جد فقالت إن رمضان في ندرومة لا يختلف عن باقي ولايات الوطن، إلا أنها تنفرد ببعض الخصوصيات، فالحريرة والبوراك هما من الأمور الضرورية على المائدة الندرومية إلى غيرها من الأطباق الأخرى. أما ما يطبع السهرة فهو صلاة التراويح والتوافد الكبير للمصلين على الجامع الكبرى بندرومة، كما يكثر التصدق على العائلات الفقيرة في إطار التكافل الذي يتطلبه الشهر الكريم وهكذا دواليك إلى غاية مفارقة الضيف العزيز. ولا ينكر الكثيرون افتقاد العائلات مع مرور السنين للكثير من العادات والتقاليد التي كانت تصاحب يوميات رمضان. ومن العادات التي افتقدتها شوارع المدينة العتيقة التاريخية الطبال الليلي، وهو رجل يطوف بالشوارع والأزقة منبِّها الناس بوصول وقت السحور، وهو مثل المسحراتي المعروف في المشرق العربي.. “بوطبيلة” كان يجول الأزقة القديمة منادياً أهل الحي الواحد تلو الآخر، كونه ابن الحي، حيث ينادي باسم صاحب المنزل قائلا “نوض تتسحر يا فلان” كما كان يستعمل الدفَّ خلال مناداته، ومقابل خدماته تلك تقدّم له الحلويات. هذه الشخصية التي يتذكرها أجدادُنا وآباؤُنا، افتقدتها شوارع وأزقة مدينة ندرومة وأصبحت من الماضي والتراث المعنوي المفقود، شأنها شأن بعض الأكلات الشعبية التي كانت تميز شهر رمضان بندرومة على غرار أكلة المسفوف التي كان يحتضنها كل بيت ندرومي عند السحور، وهو عبارة عن كسكسي مدهون بالزبدة يُضاف إليه الزبيب والسكر، كما غابت حلوى “النوقة” أيضا عن المائدة الندرومية، تاركة مكانها لحلوى “الجوزية” التي يقتصر استهلاكُها على أصحاب الدخل الجيد فقط نظراً لغلائها، على عكس “النوقة” التي كانت تميز محلات بيع الحلويات بكل من التربيعة، الرحيبة، وغيرها من أحياء ندرومة العريقة. التغير في المجتمع الندرومي شمل حتى العلاقات الأسرية، فبعدما كانت سهرات رمضان تميزها كثرة التنقلات بين الأقارب والجيران بعد الإفطار للسهر وتبادل أطراف الحديث، أصبحت هذه السهرات خالية من هذه العادات بفعل متابعة العائلات للمسلسلات العربية المعروضة على الفضائيات. إلا أن المساجد لا تزال تعجُّ بالمصلين المحافظين على صلاة التراويح، وهو ما يطبع سهرات أهل ندرومة المحافظين.
محمد بن ترار - جريدة المحور الجزائرية
تعليقات
إرسال تعليق