ندرومة - يُنادي صوت آذان الفجر أهالي مدينة ندرومة العتيقة التي تقع في أقصى الغرب الجزائري وتبعد عن العاصمة بحوالي 550 كلم.
ويهب المصلون إلى صلاة الصبح في المسجد لبداية إمساك يوم جديد من شهر رمضان الفضيل الذي يحل هذا العام بدرجة حرارة أكثر ارتفاعا مقارنة بالسنوات الماضية.
يتوجه عمر حساين الشاب الثلاثيني بعد الصلاة لفتح المحل رفقة معاونيه في حي القصبة العتيق، فرن تقليدي لصناعة الخبز على الحطب، يمتد عمره لــ100 عام ورثته عائلة بوعزيز أبًا عن جد، وهو مصدر رزقهم وفخرهم أيضا في مدينة بدأ يتلاشى فيها عتاد الصناعات التقليدية مع ولوج الآلات العصرية .
الحطب وقود الفرن التقليدي
الفرن التقليدي القديم عبارة عن غرفة كبيرة بها فوهة صغيرة في الوسط، بداخلها حجر منحوت ومرصوص تم بسطه، يتم إشعال الحطب فوقه فيتحول إلى جمر ملتهب، إيذانا بجاهزيته.
في الوقت الذي ينصهر فيه الحطب يقوم عمر ومعاونوه بتحضير عجينة الخبز، في صحن كبير يتم وضع الماء والملح وخميرة الخبز و الماء الدافئ ، وكمية كبيرة من الطحين يضاف إليها بعض دقيق القمح ، يخلط العجين جيدا ويترك ليرتاح، ثم يعاد عجنه مع إضافة خميرة تصنع من قبل، ويترك العجين لوقت ميسور حتى تظهر فقاعات فهذا يعني أنه تخمر تماما وأصبح جاهزا.
صناعة الخبز ... فـن بتقاليده
يستعمل عمر وسائل حديثة وتقليدية في آن واحد ويقوم ( الصنايعي ) بقطع العجين على شكل قريصات صغيرة متساوية ويضع كل واحدة في طبيقة ( تصنع محليا من جدائل النخل ) وأحيانا فوق مائدة بها بعض الطحين كي لا يلتصق العجين الذي يأخذ شكل الدائرة المسطحة، بعد ذلك يقوم الخباز ببسطها بيديه حتى تصبح دائرية ورقيقة السماكة، يُحدث الخباز أو الصنايعي ثلاث ثقب بيديه فوق العجينة.
يُحضّر عمر وفريقه 12 عجينة كبيرة في الفترة الصباحية بمعدل 400 خبزة للعجينة الواحدة ، وفي فترة بعد الظهر يتم تحضير 8 عجنات إضافية لتصل في حدود 8000 خبزة يوميا على الأقل وتتجاوز هذا العدد بكثير في غير شهر رمضان .
الخبز التقليدي .. زينة المائدة
يقوم عمر بتحييد الجمر الملتهب على جنب، وبوساطة حاملة تصنع يدويا على شكل رفش يتم وضع الخبز في الفرن وتغلق الفوهة بواسطة بوابة حديدية.
لا يجب أن يسهو الخباز وعليه أن يراقب الخبز طيلة الوقت كي لا يحترق، ويقوم بقلبها على الجهة الأخرى لتنضج، ويعبق المكان برائحة الخبز وتشتهي النفس أكل خبزة بحالها في وقت تتحمر فيه الجنبات وتتزين أطرافها باللون الياجوري الممزوج بالأبيض .
ومع استمرار صناعة الخبز يصطف الزبائن لابتياع ما لذّ وطاب من الخبز التقليدي ويتزين السوق الشعبي في ندرومة بما تشتهيه النفس، خبز محمّر تم طهيه على الحطب، ملك في مائدة رمضان التلمسانيين والندروميين.
يقول عمر حساين للعربية نت أن المخبزة التي يمتد عمرها لأزيد من 100 عام كانت في الأصل مقهى لطهي الشاي والبنّ على الحطب وتغير عملها لصناعة الخبز التقليدي بسبب الطلب الكبير على الخبز في المنطقة .
يقول عمر أن مخبزة بوعزيز في مدينة ندرومة تستقبل يوميا عشرات الزبائن بعضهم من المحافظات المجاورة وآخرين من العاصمة ويؤكد عمر أنه يتم ابتياع الخبز التقليدي أيضا لبعض أفراد الجالية الجزائرية في الخارج تحديدا في إسبانيا وفرنسا يجدون فيه لمّة العائلة، وريح الوطن وذكريات الأزقة الضيقة، والحارات المنسية.
تعليقات
إرسال تعليق