وفاة المجاهد موفق البشير، المدعو سي نور الدين

فقدت الجزائر يوم الجمعة 24 جانفي 2025 أحد أبطالها المغاوير، العقيد المجاهد موفق البشير، المعروف بـ"سي نور الدين"، عضو جيش التحرير الوطني، الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض.

وُلد المجاهد موفق البشير، المدعو سي نور الدين، يوم 6 سبتمبر 1932 في بلدية سواحلية ، وبالتحديد في قرية العنابرة المجاهدة. تلك القرية التي أنجبت رجالًا وشهداءً سطروا أسمى معاني البذل والتضحية من أجل استقلال الجزائر وحرية أبنائها.

ينحدر المجاهد موفق البشير، المدعو سي نور الدين، من عائلة متواضعة محافظة عُرفت بالبساطة وطيب العيش. نشأ مشبعًا بالروح الوطنية، إذ عاين منذ صغره مظاهر الظلم والاستبداد الذي مارسه الاستعمار الفرنسي، مما أشعل في نفسه جذوة النضال. انضم إلى صفوف الثورة التحريرية عام 1955، حيث بدأ مسيرته في الكفاح المسلح، مسهمًا في استقطاب المزيد من المناضلين وتعزيز روح المقاومة في أرياف نواحي مدينة ندرومة ، التابعة للمنطقة الثانية من الولاية التاريخية الخامسة.

ومع تصاعد حدة العمليات العسكرية، كانت ضربات جيش التحرير الوطني تتوالى على تحصينات الاستعمار الفرنسي في تلك المنطقة. وظلَّ اسم موفق البشير محفورًا في ذاكرة السنوات الأولى من تاريخ ثورة التحرير المسلحة، بين عامي 1955 و 1956، مسجّلًا ضمن قوائم المشتبه بهم والعناصر المصنفة على أنها خطيرة. وكان سي نور الدين في طليعة الأبطال الذين أبلوا بلاءً حسنًا، متحليًا بالشجاعة والإقدام، ليترك بصمة خالدة في صفحات الكفاح الوطني.

وفي أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات، انتقل المجاهد موفق البشير إلى منطقة "تاهارت"، حاليا بولاية تمنراست. هذه المنطقة التي شكلت جبهة حيوية في أقصى الجنوب الجزائري خلال الثورة التحريرية، لاسيما بتواصلها مع دول الساحل الإفريقي، حيث واصل الفقيد نضاله بكل عزم وإصرار، مسهمًا في تعزيز المقاومة وتوسيع رقعتها.

قررت قيادة جيش التحرير الوطني إرسال وفد عبر الأراضي المالية، ضم نخبة من القادة الميدانيين، منهم عبد الله بلهوشات، عبد العزيز بوتفليقة المعروف بسي عبد القادر المالي، أحمد درايا، ومحمد الشريف مساعدية. استقر الوفد في بادئ الأمر بمنطقة الجنوب الجزائري، حيث أنشأوا مراكز للتدريب العسكري، ونجحوا في تشكيل خلية ثورية في تاهارت، قادها كل من ڨمامة ايلو، هيباوي سيدي الوافي، وبرادعي مولاي أحمد. كانت مهمة هذه الخلية محورية، إذ تركزت على تجنيد الشباب وتأهيلهم، ثم إرسالهم إلى مراكز التدريب الواقعة على الحدود مع مالي.

لعب المجاهد موفق البشير، المدعو سي نور الدين، دورًا محوريًا في تدريب هذه المجموعات، حيث تولى بنفسه مسؤولية إعدادهم عسكريًا في الميدان، مبرهنًا على كفاءته وخبرته الواسعة في هذا المجال. وما تزال منطقة تاهارت تحتفظ بشواهد حية عن نضالاته، حاملة بين تضاريسها قصص بطولاته كما رواها بعض رفاق دربه. كيف لا وهي شاهدة على إسهاماته الجليلة في تعزيز الكفاح التحريري، وترسيخ أركان المقاومة في أقصى الجنوب الجزائري؟

يروي المجاهد ڨمامة محمود في إحدى شهاداته الحية أن منطقة "تاهارت" شهدت وصول مجموعة من أفراد جيش التحرير الوطني القادمين من مالي لتأسيس أول مركز للجيش بالمنطقة. كان الاتصال الأول لهؤلاء المناضلين مع ڨمامة ايلو وبرادعي مولاي أحمد وهيباوي سيدي الوافي، لتتشكل بذلك النواة الأولى لجيش التحرير تحت قيادة أحمد دراية، وبإشراف المدرب العسكري موفق البشير، المعروف في تلك المنطقة بالاسم المستعار "خالتي قدورة".

وفي خطوة استراتيجية، قام جيش التحرير الوطني بترحيل أهالي المنطقة وإفراغها بالكامل لتصبح قاعدة للعمل الثوري. تمكنت القيادة، بقيادة ڨمامة ايلو، من إتمام هذه العملية في ظرف 24 ساعة فقط، حيث انتقل السكان إلى الأودية المجاورة، واستمروا في دعم المجاهدين عبر إرسال الماشية لتزويدهم باللحوم.

كما يروي المجاهد جناني بكاي في شهادته أن جهود أحمد دراية ومعه موفق نور الدين، المدعو "خالتي قدورة"، ساهمت في تكوين الجيش في تلك المنطقة، حيث استقبلهم أحمد دراية بنفسه. لاحقًا، سافرا ڨمامة ومحمود إلى النيجر وعادا بأربع سيارات "لاند روفر" لدعم العمليات، كما زارهم بلهوشات وزودهم بالأسلحة الثقيلة، ما عزز قدراتهم في مواجهة المستعمر.

في 5 جويلية 1962، عاد المجاهد موفق البشير، المدعو سي نور الدين، إلى منطقة "تاهارت" ليشارك رفاق دربه فرحة الاستقلال. دخل جيش التحرير الوطني مدينة تمنراست مقبلا من تاهارت التي تبعد عليها بحوالي 50 كلم بجيش قوامه أكثر من 5000 مجاهد. وفي مشهد خالد، رفع المجاهد ڨمامة ايلو العلم الوطني إلى جانب المجاهدين أحمد دراية، بكاي زناني، وموفق البشير ضمن فوج الشرف، معلنين سقوط راية الاحتلال الفرنسي ورفع راية الجزائر المستقلة.

بعد الإستقلال ، واصل المجاهد موفق البشير خدمة وطنه ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، حيث كرّس جهوده للدفاع عن حرمة الوطن والمساهمة في بناء مؤسسة الجيش. بتفانيه وإخلاصه، أصبح مثالاً يُحتذى به للأجيال، وحاز على رتبة عقيد قبل أن يُحال إلى التقاعد. أمضى سنواته الأخيرة في بيته بمدينة وهران، يصارع المرض إلى أن وافته المنية يوم الجمعة 24 جانفي 2025.

المصدر:
• عائلة المجاهد موفق البشير المدعو سي نور الدين
• وثيقة تاريخية منقولة من السجل الخاص بالعناصر الخطيرة والمشبوهة في الغرب الجزائري في بداية العمل الثوري 1955-1956 زودنا بها الأستاذ شيخاوي الصديق
• شهادة حية لكل من المجاهدَين ڨمامة محمود وجناني بكاي
• يومية التحرير الجزائرية عنوان المقال " قلعة تاهارت المجاهدة بعاصمة الأهڨار منارة شاهدة على وحدة التراب الوطني"

تعليقات